عاصي لـ»الجمهورية»: الجراثيم تهدِّد الصحة العالمية
تيري رومانوس
Saturday, 08-Oct-2016 00:02
تهدَّد العالم أجمع، جراثيم لا تؤثّر فيها العقاقير ولا المضادات الحيوية المتوافرة في الأسواق والصيدليات. ولقد ارتفع في الآونة الأخيرة عدد الاشخاص الذين يموتون جراء الأمراض التي يُصابون بها ولا يوجد الدواء الذي ينقذ حياتهم.
ما هو جديد الدراسات والبحوث الأخيرة في شأن تفاقم مشكلة مقاومة الجراثيم للمضادات الحيوية ومختلف أنواع الأدوية؟ وما هي الإجراءات التي ستُتخذ على الصعيد العالمي في شأن المشكلة الخطيرة هذه؟ تجيبنا الدكتورة شانتال عاصي، الإختصاصية في زراعة الخلايا الجذعية والأمراض الجرثومية وطبيبة الغذاء.

• لماذا باتت الجراثيم قادرة على مقاومة المضادات الحيوية؟

أجريت دراسة في روما نُشرت نتائجها في 1-10 -2016، تفيد أنّ الجراثيم لا تموت بالمضادات الحيوية التي كانت تقضي عليها في السابق، إذ خلقت الجراثيم لنفسها قوة مناعية لكي تقاوم الأدوية والمضادات الحيوية. ولقد أجريت بحوث كثيرة في هذا الشأن.

• ما كانت نتيجة البحوث ولماذا باتت الجراثيم قادرة على مقاومة الأدوية؟

لقد اتّضح من خلال البحوث التي أُجريت، أنّ تأثير الطعام الذي نستهلكه بالإضافة الى عدم توخي النظافة، يُدخل الى أجسامنا مواد حافظة وكيماويات وعناصر اصطناعية الخ. وأضف الى ذلك المضادات الحيوية والأدوية التي تُعطى للمواشي والطيور لتحفيز نموّها وتسريعه بحيت يتمّ ذلك من خلال إضافة الأدوية الى علفها او عبر حقنها بها.

والجدير ذكره أننا نستهلك لحومَ تلك المواشي والطيور والأسماك «المشبَّعة» بالمضادات الحيوية، والتي تترك فضلاتها في التربة فتتشرّبها اشجار الفاكهة والخضار، من أجل كلّ هذه الأسباب، اصبحت الجراثيم التي تفتك بنا أثناء المرض، قادرة على مقاومة الأدوية. فعندما يمرض شخص ما ويُصاب بالالتهاب على سبيل المثال، يصف له الطبيب المضادات الحيوية لكننا نلاحظ انه لا يشفى كما في السابق.

ولا شك في أنّ الجراثيم باتت تشكل تهديداً عالمياً، ففي الولايات المتحدة، يقدّر عدد الأشخاص الذين يقضون نحبهم سنوياً بسبب الجراثيم بـ 23 الف شخص وفي الاتحاد الأوروبي والبلدان الأخرى ما لا يقل عن 25 الف شخص.

• ما هي الإجراءات على الصعيد العالمي والتي يجب القيام بها لمواجهة الجراثيم القاتلة؟

في الأسبوع الماضي قرّرت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان الحرب على الجراثيم المقاومة لبعض انواعٍ من الأدوية والتي كانت تقضي عليها سابقاً وأصبحت أقل فعالية حالياً، ما يجعل من الصعب علاج الالتهابات الشائعة ولا سيما الالتهاب الرئوي أو الملاريا التي تهدّد الحياة، فضلاً عن البكتيريا الصامتة التي تختبئ في النسيج فلا تطالها الأدوية ما يؤدي الى موت المصاب بها وأهم البكتيريا الصامتة هي الكلاميديا تراكوماتيس وأوريا بلاسما.

وأدعو وزارة الصحّة الى ضرورة إجراء فحوصات سنوية للكشف عن البكتيريا الصامتة في الدم والبول او من خلال زراعة السائل المنوي عند الرجال وزراعة الإفرازات المهبلية لدى النساء، بحثاً عن البكتيريا الصامتة والإسراع في المعالجة في حال عثر عليها، لأن ليس لها أعراض، لكنها «تهجم» عندما يضعف جهاز المناعة وتتسبّب بموت المريض.

ولا بدّ من الإشارة الى أنّ هيئة طبية رفيعة المستوى، اجتمعت أخيراً لمعالجة القضايا صحية التي تخيف المجتمع العالمي منها فيروس نقص المناعة البشرية «السيدا» والأمراض المعدية والإيبولا.

وتعهّدت البلدان التي تمثلها الهيئة، اعتماد استراتيجية منسقَّة ضدّ الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية، والتي زادت مقاومتها في الآونة الأخيرة. والمشكلة هذه تشكل الخطر العالمي الأكبر والأكثر إلحاحاً من كلّ المخاطر العالمية الأخرى، ويجب الحرص على إيلائها اهتماماً خاصاً على الصعيد المحلي والدولي.

• ما هو موقف منظمة الصحة العالمية من المشكلة هذه؟

لقد أشار المدير العام لمنظمة الصحة العالمية كيجي فوكودا، في مطلع الأسبوع في روما، الى أنّ مشكلة مقاومة الجراثيم للمضادات الحيوية، أمست مستشرية في كلّ البلدان ويجب إيجاد الحلّ السريع لها حفاظاً على صحة وإنقاذ حياة آلاف البشر.

كذلك توقّع البنك الدولي أنّ الأمراض، يمكن أن تسبّب في خلق أزمة اقتصادية حادة من شأنها أن ترفع عدد المعوزين والفقراء إلى 28 مليون شخص بحلول عام 2050 في حال لم تُتّخذ الإجراءت اللازمة للحؤول دون ذلك.

لذا تسعى الأمم المتحدة إلى تعزيز فرص الحصول على المضادات الحيوية واللقاحات وغيرها من الخدمات الصحية والطبية بأسعار متهاودة، ونشر الوعي للوقاية من الأمراض واعتماد النظافة لكي لا تنتقل الأمراض بسبب العدوى من إنسان لآخر.

وتعهّدت الأمم المتحدة بمكافحة الجراثيم المقاومة للعقاقير، كذلك الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بأن تتّخذ خطوات لمواجهة التهديد الذي تشكله الجراثيم المقاومة للعقاقير في جهد منسّق للحدّ من انتشار الأمراض التي تنقلها بكتيريا وفطريات وفيروسات تتحدّى الأدوية المضادة للميكروبات.

وقدمت الدول هذا التعهّد أثناء دورة الانعقاد السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في أعقاب سنوات من التحذيرات التي أطلقها مسؤولون في قطاع الصحة العالمي بشأن ظهور جراثيم مقاوِمة للعقاقير تهدّد بالقضاء على جميع المضادات الحيوية الفعالة والأدوية المضادة للفطريات وهو ما يجعل العالم عرضة لأمراض بسيطة كان يمكن في السابق الشفاء منها بسهولة.

ودعت الدول إلى وضع نظم أقوى لمراقبة الإصابات وحجم مضادات الميكروبات المستخدَمة في البشر والحيوانات والمحاصيل فضلاً عن زيادة التعاون والتمويل الدوليَّين، وتعهّدت أيضاً بتشديد القواعد المنظمة للأدوية المضادة للميكروبات وزيادة التواصل حول أفضل السبل لاستخدامها وإيجاد بدائل جديدة لمثل هذه الأدوية بما في ذلك استخدام سبل أفضل لتشخيص الأمراض لتحديد العلاج المناسب واستخدام لقاحات لمنع العدوى. ويجب أن تترجم التعهّدات التي قدمت الى أفعال وقرارات سريعة ذات فعالية أكيدة لإنقاذ حياة المرضى قبل فوات الأوان.

• ما هو دور الشركات المنتجة للأدوية؟

وعدت شركات رائدة في مجال صناعة الأدوية بإزالة التلوّث من مصانعها المنتجة للمضادات الحيوية واتخاذ خطوات لكبح الاستخدام المفرط للأدوية في إطار حملة لمحاربة ظهور بكتيريا قوية مقاومة للعقاقير، ويتزامن الإعلان مع اجتماع عالي المستوى بشأن مقاومة الميكروبات للأدوية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

• ما هي الخطوات الواجب تنفيذها على صعيد المزارع والمخلّفات الحيوانية في التربة؟

يجب مراقبة المزارع الحيوانية والسمكية التي تستخدم الأدوية للعلاج أو الوقاية من الأمراض الحيوانية والحرص على عدم ترك مخلّفاتها في التربة وقرب المحاصيل الزراعية والحؤول دون تسرّبها الى المياه.

وفي هذا المجال، أكَّد فوكودا على انه في الأشهر المقبلة سيكون هناك تنسيق دولي، وستخُصص مبالغ مالية مهمّة بغية تعزيز الوعي بين السكان وتنفيذ الخطط التي وضعتها منظمة الصحة العالمية، منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) فضلاً عن المنظمة العالمية للصحة الحيوانية (OIE).

والحق يُقال إنّ الممارسات غير المسؤولة، هي التي شرّعت الأبواب أمام ظهور الميكروبات المقاوِمة للعقاقير والتي أثّرت سلباً على صحة المستهلكين.

ووفقاً للطبيب البيطري في منظمة الأغذية والزراعة، خوان لوبروث إيفي، يجب الحصول على معلومات أكثر دقة في شأن التجارة واستهلاك المضادات الحيوية ومدى تأثيرها في الإنتاج الغذائي تقييم الوضع الحالي وإحراز التقدم في هذا المجال لصالح المستهلكين من دون التسبّب بالضرر للمواشي في المستقبل.

• كلمة أخيرة؟

يبقى أن نرى ما إذا كانت الدول سوف تنفّذ القرارات التي اتّخذتها في شأن حظر استخدام المضادات الحيوية العشوائي خصوصاً وأنه ليس هناك سبب مُقنع لاستخدامها حسبما أكّده جيم أونيل، رئيس فريق الخبراء الذي أعدّ الدراسة التي أُجريت في روما، بناءً على طلب المملكة المتحدة، والتي دعت الى خفض استخدام المضادات الحيوية إلى 50 ملليغرام لكلّ كيلوغرام واحد للماشية وفي مزارع الثروة المائية بحلول عام 2018.
ووفقاً لأونيل، يتطلَّب ذلك أنظمة مراقبة متقدّمة جداً، وزيادة الشفافية في ما يتعلّق بالمواد الغذائية المستهلكة.

ووفقاً للتقرير الذي أصدرته الدراسة،، من المتوقّع أن يموت نحو عشرة ملايين شخص سنوياً بحلول عام 2050 بسبب السرطان جراء مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية فضلاً عن إرهاق الاقتصاد العالمي بما لا يقلّ عن 100 مليار دولار.
الأكثر قراءة